حياة في الادارة رحلة عبر صفحات كتاب حياة في الإدارة للقصيبي
كتاب حياة في الادارة لغازي القصيبي
يعدُّ كتاب حياة في الادارة من أشهر مؤلفات الدكتور غازي القصيبي حيث وصلت مبيعاته أكثر من خمسين ألف نسخة، وهو عبارة عن سيرة ذاتية يروي تاريخه الإداري.
يتناول فيه القصيبي سيرةَ حياته الوظيفية وتجربته في الادارة واستلام المناصب في الحكومة، حيثُ جعله ترجمةً لحياته الذاتية، وسيرةً لحياته منذ ولادته وبداية تعليمه الأولي مارَّا بكلّ منعطفات حياته وجاعلًا منها دروسًا توجيهية للشباب.
ويستمرُّ بسرد وقائع وظروف وتنقلات حياته إلى أن تمَّ تعيينه سفيرًا في مملكة البحرين عام 1984م، وقد استخلصَ من سيرة حياته في كتاب حياة في الادارة الكثير من التوجيهات للإداريين بشكلٍ عامّ وللشباب بشكل خاصّ.
في هذا المقال سنأخذكم في رحلة عبر صفحات كتاب حياة في الادارة للدكتور غازي القصيبي.
في هذا الكتاب الكثير من الطرافة، الكثير من المتعة، الكثير من الحقيقة الغائبة، الكثير الكثير من الفائدة الإدارية، الكثير من تاريخ تلك الحقبة من الزمن، الكثير من المتعة، والكثير من أسرار الشخصيات السياسية، الملك فيصل وخالد وفهد رحمهم الله جميعاً والكثير الكثير من الصراحة.
نبذة عن مؤلف كتاب حياة في الادارة
هو غازي عبد الرحمن القصيبي شاعر وأديب وسفير دبلوماسي ووزير سعودي، قضى سنوات عمره الأولى في” الأحساء ” ثم انتقل بعدها إلى المنامة بالبحرين ليدرس فيها مراحل التعليم، حصل على درجة البكالوريوس من كلية الحقوق في جامعة القاهرة، ثم حصل على درجة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة جنوب كاليفورنيا التي لم يكن يريد الدراسة بها،
بل كان يريد دراسة القانون الدولي في جامعات أخرى من جامعات أمريكا، وبالفعل حصل على عدد من القبولات في جامعات عدة ولكن لمرض أخيه نبيل اضطر إلى الانتقال إلى جواره والدراسة في جنوب كاليفورنيا وبالتحديد في لوس أنجلوس ولم يجد التخصص المطلوب فيها فاضطر إلى دراسة العلاقات الدولية أما الدكتوراه ففي العلاقات الدولية من جامعة لندن والتي كانت رسالتها فيها حول اليمن كما أوضح ذلك في كتابه حياة في الادارة.
كان سياسي ليبرالي، دبلوماسي، بروفيسور، محامي، أديب روائي وشاعر سعودي، يعد من بين كبار التكنوقراطيين في المملكة العربية السعودية، شغل العديد من الوظائف الهامة في الدولة، كما قدم أعمال أدبية متنوعة جعلته من أهم الأدباء السعوديين.
طفولته
ابتدأ القصيبي في “حياة في الادارة” من بعد مقدمته، بالحديث عن طفولته، مبررًا ذلك بالقول بأن لا شك أن علاقة الإنسان المعاصر بالإدارة تبدأ مع الطفولة.
ليصف بعد ذلك بسطور تلك المرحلة بقوله “ترعرعت أتأرجح بين قطبين رئيسيين أولهما أبي رحمه الله وكان يتسم بالشدة والصرامة، وكان الخروج إلى الشارع محرماً على سبيل المثال، وثانيهما جدتي لأمي رحمها الله، وكانت تتصف بالحنان المفرط والشفقة المتناهية على الصغير اليتيم.
أستطيع أن أقول إن حصيلة السنوات الخمس الأولى في حياتي كانت وحدة مشوبة بالحزن، وطفولة تنمو تحت عين أب حازم صارم وفي كنف جدة حنون، هل تركت هذه الطفولة في عقلي الباطن ميراث وسم بسماته حياتي الإدارية؟ علم هذا عند ربي.
إنني أعتقد أنني نشأت وفي أعماقي إحساس كامن بأن السلطة بلا حزم، تؤدي إلى تسيب خطر، وإن الحزم بلا رحمة، يؤدي إلى طغيان أشد خطورة”.
مرحلة الدراسة
وبعد ذلك ينتقل بسيرته إلى مرحلة سنوات الدراسة الأولى، متحدثا عن مسألة الانضباط والالتزام بقوله “كان الطلبة يصطفون في طوابير كل صباح، ويتولى التفتيش على نظافة الأظافر مدرس مختلف كل يوم.
من هؤلاء المدرسين من كان تفتيشه شكليًا سريعًا، ومنهم من كان بحثه دقيقًا مستقصيًا، منهم من كان يكتفي بلفت النظر، ومنهم من كان يستخدم مسطرة غليظة تهوى على الأظافر القذرة.
وكان من بين المدرسين مدرس لا يكتفي بالنظر إلى الأظافر بل كان يسأل كل واحد منا إذا كان قد استحم ذلك الصباح. إذا أجاب الطالب بالإيجاب نجا من العقاب وإذا ذكر الحقيقة، والحقيقة هي أن أنظفنا لم يكن يستحم سوى مرة واحدة في الأسبوع هوت المسطرة على الأصابع، كان المدرس يصدق من يزعم أنه استحم ولو كانت كل الشواهد تكذب هذا الزعم، أعتقد أنه كان يستهدف تشجيعنا على النظافة والصدق إلا أن كل ما فعله هو إغراؤنا بالكذب”
علاقة الرئيس بمرؤوسيه
ثم يعرج القصيبي في كتاب حياة في الادارة بعد ذلك للحديث عن العلاقة الأكثر شيوعاً ما بين كل رئيس ومرؤوسيه في عالمنا العربي، مستذكرا نموذجًا أوليًا لهذه العلاقة من أيام دراسته الأولى حيث كتب يقول “كان المدير أيامها يمثل جانب العقاب، وهذا الجانب وحده. كان إرسال طالب إلى المدير يعني بصفة تلقائية، أن ترتفع الخيزرانة وتهوي على يد الطالب مرتين على الأقل، وعشر مرات على الأكثر.
لم أسمع بحالة واحدة ذهب فيها طالب إلى المدير ليسمع ثناء أو يتلقى جائزة. كانت العلاقة بين الطلاب والمدير قائمة على الخوف، ولا شيء غير الخوف”.
البيروقراطية
بعد ذلك بصفحات كتاب حياة في الادارة يتناول المؤلف الآفة الإدارية الأكبر في دول العالم الثالث، والتي هي آفة البيروقراطية حيث كتب ينتقدها “لم يقتصر الأمر على البيروقراطية الجامعية، فقد كانت هناك بيروقراطية أضخم، بيروقراطية الحكومة.
كان تجديد الإقامة يتطلب زيارة دولية إلى مبني المجمع الحكومي في ميدان التحرير. كانت الطوابير لا تنتهي، وأوراق الدمغة لا تنتهي، والتوقيعات لا تنتهي.
كان المحظوظ منا هو الذي يستطيع إنهاء معاملته في يومين أو ثلاثة، ولم يكن أحد يستطيع إنهاءها بهذه السرعة إلا بواسطات مع عدد من الموظفين”. وأردف بعد ذلك بسطور ليتحدث عن الآفة الإدارية اللصيقة بالبيروقراطية، آفة الرشوة مستذكرا حادثة جرت معه قائلا “فوجئت بموظف في قسم الشرطة يطرق باب الشقة ويخبرني أن عليَ مراجعة القسم يوميًا لمدة شهر كامل للتأكد من عدم إصابتي بمرض معد.
كنت أظن أنه يمزح، إلا أنه أخرج مرسوما من العهد الخديوي، يتضمن هذا الإجراء ولا يزال ساري المفعول. قلت له أني لا أستطيع، والامتحان على الأبواب، أن أقوم بهذه الزيارة اليومية. وكان الحل في الجنيه الذي تسلمه الموظف وذهب. بقي المرسوم الخديوي بلا تطبيق، وتعلم الطالب اليافع تقديم الرشاوي (آسف! الإكراميات!)”.
أهمية محافظة الإداري الناجح على هدوءه واتزانه
ومن خزين ذكريات دراسته في الولايات المتحدة، كتب عن أهمية محافظة الإداري الناجح على هدوءه واتزانه، وحرصه على بقاء صورته الإعلامية في هيئة حسنة حتى لا يفقد تعاطف واحترام جمهوره، فكتب عن “حيلة بسيطة يستعملها اللوبي الصهيوني بفعالية قاتلة. لا يمكن لمتحدث عربي أن يتكلم دون أن يحضر الاجتماع عدد من الصهاينة أو المتعاطفين معهم. يلزم هؤلاء الهدوء حني تنتهي فترة المحاضرة وتبدأ الأسئلة.
بعد بضعة أسئلة مستفزة، ينجح هؤلاء في إثارة المحاضر الذي يفقد أعصابه ويفقد الجمهور الذي كسبه. كنت أعجب وأنا أرى محاضر عربياً ذكياً بعد محاضر عربي ذكي يقع في هذا الفخ”.
الخصلة الأهم لكل إداري ناجح
وكذلك لم يفت القصيبي في هذه السيرة الممتدة (حياة في الادارة) أن يكتب عن الخصلة الأهم لكل إداري ناجح، والتي هي حفظ الوقت والالتزام بالمواعيد، فكتب “إنني اعتقد أن الذين لا يستطيعون التقيد بالمواعيد لا يستطيعون تنظيم حياتهم على نحو يجعلهم منتجين بحد عال من الكفاءة. ذات يوم، وكنت وزير الصناعة والكهرباء، رشح لي بعض الأصدقاء رجلا قالوا إنه يصلح لمنصب وكيل الوزارة الذي كان شاغرا وقتها.
حددت موعدا لمقابلته في منزلي، وجاء بعد الموعد بأكثر من ساعة دون أن يعتذر عن التأخير. إذا كان هذا تعامله مع الوزير فكيف سيتعامل مع المراجعين؟ غني عن الذكر أن المرشح لم يصبح وكيل وزارة، حتى هذه اللحظة”.
أهمية إلمام الإداري الناجح بجميع المعلومات المتعلقة بالمشروع
وتناول المؤلف في موقع آخر من الكتاب أهمية إلمام الإداري الناجح بجميع المعلومات المتعلقة بالمشروع الذي بين يديه، فاسترجع حادثة جرت مع أبيه والملك عبد العزيز، بقوله” إذا كان لابد من تحديد مسئول حقيقي عن التورط _ في حرب اليمن _ فان المسئولية تقع على نقص المعلومات. لم يكن عبد الناصر أو أحد من الذين كانوا حوله يعرف شيئا عن اليمن، تاريخيا وشعبا وجغرافيا وتقاليد وعادات.
قارن هذا الموقف بموقف الملك عبد العزيز خلال الحرب السعودية /اليمنية من اليمن نفسها… حيث أمر بوقف قواته المتقدمة في اليمن ثم أمر بسحبها. استغرب أبي هذا الموقف وأبدى استغرابه أمام الملك عدة مرات، في النهاية استدعاه الملك وقال له وهما على انفراد: يا عبد الرحمن أنت لا تعرف شيئا عن اليمن، هذه بلاد جبلية قبلية لا يستطيع أحد السيطرة عليها، كل من حاول عبر التاريخ فشل لا أريد أن أتورط في اليمن وأورط معي شعبي”.
ختامًا كما يقول الدكتور غازي في كتابه حياة في الادارة:
إن كثيراً من النقاش الذي يدور حول الادارة هو نقاش لفظي عقيم.
لا يهم أن تكون الإدارة علماً أو فناً، فالفرق بين العلم والفن مسألة تتعلق بالتعريف أكثر من تعلقها بالجوهر.
ولا يهم أن يولد الإنسان إدارياً، أو يكتسب المقدرة الإدارية من التجربة، فما يعنينا هو النتيجة النهائية.
ولا يهم أن يكون الإداري واسع الثقافة أو متوسطها، فالموضوع لا يبدأ وينتهي بالثقافة.
ولا يهم أن يكون الإداري هادئ الأعصاب أو متوترها، سمح الأخلاق أو شرسها، ثقيل الظل أو خفيف الدم، محبوباً أو مكروهاً، فكل هذه صفات تهم الإنسان ولكنها لا تهم الكائن، الإداري. لا يهم عندما يتعلق الأمر بالقيادة الإدارية سوى”
وهنا تكون انتهت رحلتنا عبر صفحات الكتاب الرائع الملهم حياة في الادارة للدكتور غازي القصيبي
أتمنى أن ,, تشاركونا في التعليقات اقتباسات أخرى من كتاب حياة في الادارة